للعلامة الامام ابن قيم الجوزية كلام نفيس في كتابه الماتع : الفوائد :
1 ~ من لم ينتفع بعينه لم ينتفع باذنه .
2 ~ للعبد ستر بينه وبين الله ، وستر بينه وبين الناس ، فمن هتك الستر الذي بينه وبين الله ،
هتك الستر الذي بينه وبين الناس .
3 ~ للعبد رب ملاقيه وبيت هو ساكنه ، فينبغي له ان يسترضي ربه قبل لقائه ويعمر بيته قبل
انتقاله اليه .
4 ~ اضاعة الوقت اشد من الموت ، لان اضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة ،
والموت يقطعك عن الدنيا واهلها .
5 ~ الدنيا من اولها الى آخرها لا تساوي غم ساعة ، فكيف بغم العمر .
6 ~ محبوب اليوم يعقبه المكروه غدا ، ومكروهاليوم يعقبه المحبوب غدا .
7 ~ اعظم الربح في الدنيا ان تشغل نفسك كل وقت بما هو اولى بها وانفع في معادها .
8 ~ كيف يكون عاقلا من باع الجنة بما فيها بشهوة ساعة ؟
9 ~ يخرج العارف من الدنيا ولم يقضي وطره من شيئين : بكاؤه على نفسه ، وثناؤه على ربه
10 ~ المخلوق اذا خفته استوحشت منه وهربت منه ، والرب تعالى اذا خفته انست به
وقربت اليه .
11 ~ لو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله سبحانه احبار اهل الكتاب ولو نفع العمل بلا اخلاص
لما ذم المنافقين .
12 ~ دافع الخطرة ، فان لم تفعل صارت فكرة . فدافع الفكرة ، فان لم تفعل صارت شهوة .
فحاربها ، فان لم تفعل صارت عزيمة وهمة ، فان لم تدافعها صارت فعلا ، فان لم تتداركه بضده صار عادة فيصعب عليك
الانتقال عنها .
13 ~ اشتر نفسك اليوم ، فان السوق قائمة ، والثمن موجود ، والبضائع رخيصة ، وسيأتي على تلك البضائع يوم لا تصل فيه الى قليل ولا كثير : { ذلك يوم التغابن } ( التغابن 9) { ويوم يعض الظالم على يديه } ( الفرقان 27 )
اذا انت لم ترحل بزاد من التقى *** وابصرت يوم الحشر من قد تزودا
ندمت على ان لا تكون كمثله *** وانك لم ترصد كما كان ارصدا
14 ~ العمل بغير اخلاص ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملا يثقله ولا ينفعه .
15 ~ اذا حملت على القلب هموم الدنيا واثقالها ، وتهاونت بأوراده التي هي قوته وحياته ، كنت كالمسافر الذي يحمل دابته فوق طاقتها ولا يوفيها علفها ، فما أسرع ما تقف به .
ومشتت العزمات ينفق عمره *** حيران لا ظفر ولا اخفاق
وقال آخر :
هل السائق العجلان يملك امره *** فما كل سير اليعملات وخيد
رويدا باخفاف المطي فانما *** تداس جباه تحتها وخدود
16 ~ من تلمح حلاوة العافية هانت عليه مرارة الصبر
17 ~ الغاية اول في التقدير ، آخر في الوجود ، مبدأ في العقل ، منتهى في منازل الوصول .
18 ~ ألفت عجز العادة ، فلو علت بك همتك رُبا المعالي لاحت لك أنوار العزائم .
19 ~ انما يتفاوت القوم بالهمم لا بالصور .
نزول همة الكساح *** دلاه في جب العذرة
20 ~ بينك وبين الفائزين جبل الهرم ، نزلوا بين يديه ونزلت خلفه ، فاطو فضل منزل ، تلحق بالقوم .
21 ~ الدنيا مضمار سباق ، وقد انعق الغبار وخفي السابق ، والناس في المضمار بين فارس وراجل واصحاب حمر معقرة .
سوف ترى اذا انجلى الغبار *** أفرس تحتك او حمار ؟
22 ~ في الطبع شره والحمية أوفق .
23 ~ لص الحرص لا يمشي الا في ظلام الهوى .
24 ~ حبة المشتهي تحت فخ التلف ، فتفكر الذبح وقد هان الصبر .
25 ~ قوة الطمع في بلوغ الامل توجب الاجتهاد في الطلب ، وشدة الحذر من فوت المأمول
26 ~ البخيل فقير لا يؤجر على فقره .
27 ~ الصبر على عطش الضر ، ولا الشرب من شرعة منَ.
28 ~ تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها .
29 ~ لا تسأل غير مولاك ، فسؤال العبد غير سيده تشنيع عليه .
30 ~ غرس الخلوة بثمر الانس .
~ اذا جن الليل تغالب النوم والسهر ، فالخوف والشوق في مقدم عسكر اليقظة ، والكسل والتواني في كتيبة الغفلة ، فاذا حمل العزم على الميمنة فانهزمت جنود التفريط ، فما بطلع الفجر الا وقد قسمت السهمان وبردت الغنيمة لاهلها .
31 ~ استوحش مما لا يدوم معك ، واستأنس بمن لا يفارقك .
32 ~ عزلة الجاهل فساد ، وأما عزلة العالم فمعها حذاؤها وسقاؤها .
33 ~ اذا اجتمع العقل واليقين في بيت العزلة ، واستحضر الفكر وجرت بينهم مناجاة :
أتاك حديث لا يمل سماعه *** شهي الينا نثره ونظامه
اذا ذكرته النفس زال عناؤها *** وزال عن القلب المعنى ظلامه
34 ~ اذا خرجت من عدوك لفظة سفه ، فلا تلحقها بمثلها تلقحها ، ونسل الخصام نسل مذموم .
35 ~ حميتك لنفسك أثر الجهل بها ، فلو عرفتها حق معرفتها أعنت الخصم عليها .
36 ~ اذا اقتدحت نار الانتقام من نار الغضب ، انتدأت بحراق القادح .
37 ~ اوثق غضبك بسلسلة الحلم ، فانه كلب ان أفلت أتلف .
38 ~ من سبقت له سابقة السعادة ، دل على الدليل قبل الطلب .
39 ~ اذا اراد القدر شخصا بذر في ارض قلبه بذر التوفيق ، ثم سقاه بماء الرغبة والرهبة ، ثم أقام عليه بأطوار المراقبة ، واستخدم له حارس العلم ، فاذا الزرع قائم على سوقه .
40 ~ اذا طلع نجم الهمة في ظلام ليل البطالة ، وردفه قمر العزيمة ، أشرقت ارض القلب بنور ربها .
42 ~ سفر الليل لا يطيقه الا مضمر المجاعة ، والنجائب في الاول ، وحاملات الزاد في الاخير .
43 ~ لا تسأم الوقوف على الباب ولو طردت ، ولا تقطع الاعتذار ولو رددت ،فان فتح الباب للمقبولين دونك فاهجم هجوم الكذابين وادخل دخول الطفيلية وابسك كف { وتصدق علينا } ( يوسف 88 )
44 ~ يا مستفتحا باب المعاش بغير اقليد ( مفتاح ) التقوى ، كيف توسع طريق الخطايا وتشكو ضيق الزرع .
45 ~ لو وقفت عند مراد التقوى لم يفتك مراد .
46 ~ المعاصي سد في باب الكسب ، ( وان العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه )
تالله ما جئتكم زائرا *** الا وجدت الارض تطوى لي
ولا انثنى عزمي عن بابكم *** الا عثرت باذيالي
47 ~ الارواح في الاشباح كالاطيارفي الابراج ، وليس ما أعد للاستفراخ كمن هيىء للسباق
48 ~ من اراد من العمال ان يعرف قدره عند السلطان فلينظر ماذا يرليه من العمل وبأيشغل يشغله .
49 ~ كن من ابناء الآخرة ولا تكن من ابناء الدنيا ، فان الوليد يتبع الام .
50 ~ الدنيا لا تساوي نقل اقدامك اليها فكيف تعدو خلفها .
51 ~ الدنيا مجاز والآخرة وطن ، والاوطار انما تطلب من الاوطان .
52 ~ التقوى ثلاث مراتب :
احداها : حمية القلب والجوارح عن الآثام والمحرمات .
الثانية :حميتها عن المكروهات .
الثالثة : الحمية عن الفضول وما لا يعني .
فالاولى تعطي العبد حياته .
والثانية تفيد صحته وقوته .
والثالثة تكسبه سروره وفرحه وبهجته .
غموض الحق حين تذب عنه *** يقلل ناصر الخصم المحق
تضل عن الدقيق فهوم قوم *** فتقضي للمجل *على المدق
بالله أبلغ ما أسعى وأدركه *** لا بي ولا بشفيع لي من الناس
اذا أيست وكاد اليأس يقطعني *** جاء الرجا مشرعا من جانب اليأس
53 ~ من خلقه الله للجنة لم تزل هداياها تأتيه من المكاره ، ومن خلقه الله للنار لم تزل هداياها تأتيه من الشهوات .
54 ~ لما طلب آدم الخلود في الجنة من جانب الشجرة عوقب بالخروج منها .
ولما طلب يوسف الخروج من السجن من جهة صاحب الرؤيا لبث فيها بضع سنين .
55 ~ اذا جرى على العبد مقدور يكرهه فله فيه ستة مشاهد : الاول : مشهد التوحيد ، وان الله هو الذي قدره وشاءه وخلقه ، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .
الثاني : مشهد العدل ، وانه ماض فيه حكمه ، عدل فيه قضاؤه .
الثالث : مشهد الرحمة ، وان رحمته في هذا المقدور غالبة لغضبه وانتقامه ، ورحمة حشوه .
الرابع : مشهد الحكمة ، وان حكمته سبحانه اقتضت ذلك ، ولم يقدره سدى ولا قضاه عبثا .
الخامس : مشهد الحمد ، وان له سبحانه الحمد التام على ذلك من جميع وجوهه .
السادس : مشهد العبودية ، وانه عبد محض من كل وجه تجري عليه احكام سيده واقضيته بحكم كونه ملكه وعبده ، فيصرفه تحت احكامه القدرية كما يصرفه تحت احكامه الدينية ، فهو محل لجريان هذه الاحكام عليه .
56 ~ قلة التوفيق وفساد الرأي ، وخفاء الحق ، وفساد القلب ، وخمول الذكر ، واضاعة الوقت ، ونفرة الخلق ، والوحشة بين العبد وبين ربه ، ومنع اجابة الدعاء ، وقسوة القلب ، ومحق البركة في الرزق والعمر ، وحرمان العلم ، ولباس الذل ، واهانة العدو ، وضيق الصدر ، والابتلاء بقرناءالسوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت ، وطول الهم والغم ، وضنك المعيشة ، وكسف البال ... تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله ، كما يتولد الزرع عن الماء ، والاحراق عن النار .
واضداد هذه تتولد عن الطاعة .
57 ~ من عظم وقار الله في قلبه ان يعصيه ، وقره الله في قلوب الخلق ان يذلوه .
58 ~ اذا علقت شروش ( جذور) المعرفة في ارض القلب ، نبتت فيه شجرة المحبة ، فاذا تمكنت وقويت أثمرت الطاعة ، فلا تزال الشجرة : { تؤتي أكلها كل حين باذن ربها }
59 ~ ارض الفطرة رحبة ( واسعة) قابلة لما يغرس فيها ، فان غرست شجرة الايمان والتقوى اورثت حلاوة الابد ، وان غرست شجرة الجهل والهوى فكل الثمر مر .
60 ~ ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبد له ولا يمل خدمته مع حاجته وفقره اليه ، وانما العجب من مالك يتحبب الى مملوكه بصنوف انعامه ويتودد اليه بانواع احسانه مع غناه عنه .
كفى بك عزا انك له عبد **** وكفى بك فخرا انه لك رب
61 ~ من عرف نفسه اشتغل باصلاحها عن عيوب الناس ، ومن عرف ربه اشتغل به عن هوى نفسه .
62 ~ انفع العمل ان تغيب فيه عن الناس بالاخلاص ، وعن نفسك بشهود المنة ، فلا ترى فيه نفسك ولا ترى الخلق .
63 ~ دخل الناس النار من ثلاثة ابواب :
1 ـ باب شبهة اورثت شكا في دين الله .
2 ـ باب شهوة اورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته .
3 ـ باب غضب اورث العدوان على خلقه .
64 ~ اصول الخطايا كلها ثلاث :
1 ـ الكبر : وهو الذي أصار ابليس الى ما اصاره .
2 ـ الحرص : وهو الذي اخرج آدم من الجنة
3 ـ الحسد : وهو الذي جرأ أحد ابني آدم على أخيه .
فمن وقي شره هذه الثلاثة فقد وقى الشر . فالكفر من الكبر ، والمعاصي من الحرص ، والظلم من الحسد .
65 ~ اخسر الناس صفقة من اشتغل عن الله بنفسه ، بل اخسر منه من اشتغل عن نفسه بالناس .
[center]